قائمة المدونات الإلكترونية

الأحد، 9 يناير 2011

عندما تسكت شهرزاد...(8)



و فى الليله الثامنه من ليالى شهرزاد الجديده...
ذهبت أبحث عن شهرزاد، فوجدتها فى الغرفه، و ما أن رأتنى حتى أشاحت بوجهها،
دلاله على الغضب، فشعرت بالدهشه، فاليوم لم أراها و لم يدر أى حديث بيننا كى
تغضب، فإقتربت منها فى هدوء و قلت مداعباً..مساء الخير يا جميلتى، هل يمكننى
الجلوس قليلاً..أم لا توجد أماكن شاغره..؟!

إلتفتت نحوى و هى تقول بصوت لم يخلو من الغضب، و بنبره ذات مغزى معين..
عفواً..فهذا المقعد يؤخذ بالأختيار..لا بالإجبار.
ضحكت بشده و أنا أقول..ها أنا الأن قد علمت سر غضبتك..عجباً..لقد ظننت أنك
ستكونين من أشد المؤيديين لقرار ولايه العهد الذى أتخذته..!!
إندفعت قائله..من قال لك هذا؟!
أجبت فى هدوء..المنطق و العقل يا عزيزتى..ألا تحبين أن يصير أحد أبنائك يوماً
ما حاكماً للبلاد، و سيداً لها؟!
قالت فى لهجه حاده..مخطئ أنت إن ظننت هذا..فالحر يأبى أن يضع القيود فى يد الغير
كما يأبها لنفسه تماماً.
صحت بها فى دهشه..عن أى قيد تتحدثين؟..بالمناسبه فأنا لست أول من يفعل هذا، ولن
أكون الأخير..بلاد كثيره يحكمها ملوك، ويخلفهم أبنائهم ..ما العجب فى هذا؟!
صمتت قليلاً ثم قالت..العيب أنك بتنصيبك أحد أبنائك ولياً للعهد تجبر شعبك على حاكم
لم يختاروه ، ولا يعرفونه..و كل مؤهلاته لهذا أنه إبنك.
سألتها متعجباً..منذ متى و الشعوب تختار حكامها..؟!..ما علمهم هم بشؤن الحكم و السياسه،
كيف لهم بمعرفه الأختيار؟
همت بقول شئ، ثم تراجعت و صمتت قليلاً..ثم سألتنى..هل ترغب فى سماع حكايه جديده؟
نظرت إليها فى شك، و تأملتها برهه..ثم وجدت أنها فرصه لتلطيف الأجواء..فأومأت برأسى
علامه الإيجاب، وقلت..لا بأس..كلى أذان صاغيه..

قالت..بلغنى أيها الملك السعيد، ذو الرأى الرشيد..أنه كان فى بلاد بعيده، قديمه و عريقه،
كانت ذات يوم حضاره كبيره..

كانت البلاد يحكمها الملوك يخلفهم ملوك، و شعبها ما بين سيد و صعلوك، و بعضهم يحيا
كعبد مملوك.
حتى كان يوم من الأيام..تمرد فيه الجيش على الحكام،  مطالبين بتغيير النظام، رافعين للحريه
شعار و أعلام..
ففرح الشعب و هلل و كبّر، و ظن أنه من الظلم تحرر، و أنه لمصيره سيقرر..
ولكن..
سرعان ما أنقشع الظلام، و تبددت الأحلام، و تكشفت الخدع و الأوهام، و لاح فى الأفق كلام
غير الكلام...
و إكتشف الناس أن شعار الحريه ليس له أساس، ولا يزال الحكام بلا أى إحساس..
فالظلم عاد، و القمع ساد، و عم الفساد، و ملئ البلاد، فقهر العباد..
و مرت الكثير من الأعوام، و ما حكم البلاد سوى ثلاثه حكام، ما زادوها غير الألام، و ما أولوها
الإهتمام..
فما زالت للملكيه أجواء، و إن تغيرت الأسماء، و تبدلت الميول و الأهواء..
و ما عاد ينقصها إلا ولايه العهد..فبذلوا فى سبيلها الجهد، لكى يوجدوا لها المهد...
حتى نجحت مساعى هؤلاء المتاعيس، و جاءوا بإبن الرئيس، و تمت عمليه التوريث....
و إستمرت الأحوال، على نفس المنوال، من نهب للأموال، و زياده للقهر و الأهوال،و....

و صاح الديك...
و هنا أدرك شهرزاد الصباح...فسكتت عن الكلام المباح..
 

عندما تسكت شهرزاد...(7)



و لما كانت الليله السابعه من ليالى شهرزاد الجديده...
غمرنى شعور من التعب و الخمول المشوب بالملل، فجلست بلا حراك،
و كأنى تمثال لرجل، حتى دخلت على شهرزاد و أنا على هذه الحاله،فدنت منى و قالت..ماذا بك؟..
إلتفتت إليها ببطء، و أنفرجت شفتاى فى صعوبه و أنا أقول..اه..ياله من يوم شاق يا شهر..
إبتسمت و هى تقول..هى هموم الحكم إذاً.
هززت رأسى نافياً، و قلت..كلا، ليست هى هذه المره، إنما هو بعض من نوبات الجنون التى تنتاب
بعض الناس فيظنوا أنهم عباقره هذا الزمان، و تقع تبعات هذا الإعتقاد على رأسى أنا.
سألت فى فضول..ماذا تعنى؟ و أى ناس هؤلاء؟!...
قلت .. العلماء يا شهر..أنهم دائماً يشعرون بأنهم قد تميزوا عن سائر البشر، فهم العباقره الملهمون،
و كل بضعه أيام يطلب أحدهم المقابله ليعرض على أحد أختراعته الجديده، و التى يقول أنها ستغير
مجرى التاريخ و ما إلى ذلك من الكلمات الجوفاء..و يظل طوال اليوم يشرح لى فكرته، محاولاً أن
ينجح فى أقناعى بتمويل هذا الهراء..
هتفت مستنكره فى حده..هراء؟!..أهذا ما تقول عن خلاصه أفكار العلماء؟!....
قلت.. نعم هراء، أنها أمور معقده ، و أفكار خياليه بعيده عن أرض الواقع، لن يستطيع فهمها عامه
الناس، و بالتالى فلن يستفيد منها غير فئه محدوده من الناس، ألا و هم العلماء و من على شاكلتهم،
إذاً أليس هذا هراء؟..
نظرت إلى فى صمت ، و إن لم تخل نظراتها من الحده و الغضب، فقلت لها.. و ما شأنك أنت بالعلماء
و مشكلاتهم كى تغضبى؟!..ألك قريب منهم ؟!..
قالت ..أويجب أن يكون لى قريب حتى أهتم بأمر البلاد؟!..
سألتها ..لماذا نظره الغضب هذه إذاً؟...
إرتسم شبح إبتسامه على شفتيها و هى تقول..لا شئ، فقط لقد ذكرنى هذا الأمر بحكايه ما..ثم أردفت..
أتحب أن تسمعها؟..
قلت..لا بأس، دعينا نرى أوجه الشبه.

إتخذت مجلسها بجوارى و قالت..بلغنى أيها الملك السعيد، ذو الرأى الرشيد..أنه كان فى بلاد بعيده،
قديمه و عريقه، كانت ذات يوم حضاره كبيره...
كان يعيش عالم جليل، فى شتى فروع العلم أصيل، و على ثبر أغوارها قدير...
و مع ذلك كان فقير، فراتبه لا يعدو بضعه دنانير، لا تكفى لخبز أو شعير...غير أنه كان يحلم أن يصير
مشهور، و أن تنصلح معه الأمور، و يصير له بين الناس جمهور..
فأخذ يجد و يجتهد، و على الله يعتمد، و القوه منه يستمد...
حتى وفقه الله لإختراع، ظن أنه جاعله ملء الأسماع، و ما كان يدرى أنه سيقوده للوداع...

فذهب إلى الملك و طلب اللقاء، ثم دخل و سلم على إستحياء، فرد الملك بإستعلاء...ثم قال..ما ورائك؟..
قال..جئت أطلب لقائك، و أملى أن أنول رضائك، و أن أحظى بإستماعك...
فإستمع له الملك، ثم لم يلبث أن بدأ فى الضحك...
و إلتفت لحاشيته و قال..ألا تسمعون؟!...فضحكوا و قالوا..يبدو قد مسه الجنون.
فخرج العالم المسكين، و عاد إلى داره حزين، و لكنه ظل بربه مستعين..
و إن هى إلا لحظات، حتى سمع على الباب طرقات، فوجد رجل تبدو للحكمه على وجهه علامات...
فسأله العالم..ماذا تريد؟!..أجابه الرجل...نريدك لدينا فى عالمنا الجديد، فمثلك يحيا هناك سعيد.

فأنطلق معه و غادر البلاد، و لما وصل وجدهم على إستعداد، فأعطوه من المال إمداد،و إعتمدوا
عليه كل الإعتماد...
و ما هى إلا عده شهور، حتى صار العالم مشهور، و إنصلحت له الأمور، أضحى له بين الناس
جمهور....

و مرت السنين، فسمع لقلبه أنين، و إنتابه للأهل الحنين..
فذهب ليزور البلاد، و الشوق يملئ منه الفؤاد...فرأى أمر عجيب، الملك يستقبله بالترحيب، و الكل
صار له حبيب..
و أغدقت عليه الأوسمه و النياشين...يا الله.. أوليسوا هم من عاملوه كالمجانين؟!..
الأن صاروا به فخورين؟!..

و لكن قد فات الأوان، و لم يعد رجوعه بالإمكان، فالماضى قد طواه النسيان....
و ندم الملك على ما كان، و شعر بالعجز و الهوان، و......
و صاح الديك....
و هنا أدرك شهرزاد الصباح... فسكتت عن الكلام المباح..